بكتيريا الجهاز الهضمي هل تسبب الاضطرابات النفسية؟

الميدان اليمني_وكالات

ارتبطت البكتيريا بالمرض منذ اكتشافها قبل نحو 300 عام، من قبل عالم الأحياء الهولندي ورائد المجهر، أنتوني فان ليوينهوك. ولكن العلماء لم يبدأوا إلا حديثاً في فهم أن الميكروبات تساهم أيضاً في صحتنا.
وفي السنوات الأخيرة ظهر أن البكتيريا في الجهاز الهضمي تلعب دورها في مجموعة من الظروف التي تؤثر على الحالة المزاجية، وخاصة الاكتئاب والقلق. وجاء هذا في تقرير صدر عن منظمة الصحة الدولية في أبريل (نيسان) الماضي. وبحسب تقرير المنظمة، فإن عدد الإصابات بمرض الاكتئاب ارتفع بمعدل 18 في المائة خلال الأعوام العشرة الأخيرة، ليصل إلى 322 مليوناً في العالم. وشدد التقرير على أن الاكتئاب يعد أكبر خطر لدفع الأشخاص إلى الانتحار، مبيناً أن 800 ألف حالة وفاة في العالم سنوياً تتعلق بالاكتئاب.
– البكتيريا الهضمية والدماغ
ويعتقد باحثون بلجيكيون أن مجموعة كبيرة من البكتيريا في الجهاز الهضمي قد تنتج مواد كيميائية تؤثر بشكل كبير على الدماغ، وبالنتيجة سلباً أو إيجاباً على الصحة العقلية.
عندما نتحدث عن صحة الأمعاء، فإننا نتحدث عن البكتيريا «الجيدة» التي تعيش في أحشائنا وتساعد على هضم الطعام وتشكيل أول دفاع ضد الأمراض والعدوى.
وصحة الأمعاء الجيدة تعني رعاية هذه البكتيريا. وقد درست التجربة التي أطلق عليها «فليمش غات فلورا بروجكت»، The Flemish gut flora project بيانات حالات اكتئاب أكثر من 1000 شخص مع عينات من برازهم، وخلصت إلى أن هناك تعاوناً تكافلياً بين الميكروبات والجسم المضيف، وكلاهما يعتمد على الآخر، لصحة الإنسان وبقائه. ففي الأمعاء، تلعب بكتيريا الجهاز الهضمي دوراً مهماً في هضم الطعام والمناعة والدفاع ضد مسببات الأمراض.
كما تم ربط اضطرابات بكتيريا الجهاز الهضمي بمختلف الأمراض، بدءاً من مرض التهاب الأمعاء ومرض السكري والسمنة وتصلب الشرايين والسرطان حتى مرض التوحد.
– علاقة جدلية
تعيش المليارات من الكائنات الدقيقة، وغالبيتها بكتيريا، في أمعاء البشر، وتغطي الأغشية المبطنة للأمعاء، وتُنشئ نظاماً بيئيّاً متناهي الصغر يُطلَق عليه الميكروبيوم Micobiome. ويوماً بعد آخر، يثبت أن هذا النظام يؤدي دوراً بالغ الأهمية في الحفاظ على صحة الإنسان، إضافة إلى تأثيره على حالته المزاجية.
في هذا الإطار، كشف فريق من الباحثين بعدد من الجامعات والمراكز في بلجيكا وهولندا وجود تأثير إيجابي لنوعين من البكتيريا المعوية على الحالة النفسية للإنسان.
وأثبت الباحثون في الدراسة التي نشرتها دورية «نيتشر ميكروبيولوجي» أن كلّاً من بكتيريا «كوبروكوكس» Coprococcus وبكتيريا «دياليستر» Dialister تؤديان دوراً بارزاً في جودة الحياة النفسية. وقد لوحظ عدم توافر هذين النوعين من البكتيريا «المضادة للالتهاب» لدى الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب. ويقول الباحثون إن هذه الدراسة قد تكون مثيرة للجدل، إذ إنهم لم يتمكنوا بعد من فهم طريقة ارتباط الجهاز الهضمي بالدماغ.
وقال جيرون رايس، من جامعة لوفان البلجيكية، إن «فكرة التفاعل بين المستقبلات الجرثومية ودماغنا، وبالتالي بسلوكنا ومشاعرنا، مثيرة للاهتمام حيث إن منظمة الصحة العالمية تعتبر الاكتئاب والقلق السبب الأول للإعاقة، التي تؤثر على ما لا يقل عن 3 ملايين شخص في جميع أنحاء العالم».
– الصحة النفسية والبكتيريا
هل بدأنا نفهم أن الميكروبات تساهم أيضاً في صحتنا، فهي تنتج الفيتامينات، وتساعدنا في الحصول على طاقة إضافية من الطعام الذي لا يمكن هضمه، على سبيل المثال. والأهم من ذلك أن الميكروبات التي نمت في المنزل تحمينا من الأمراض من خلال تفشي مسببات الأمراض ومكافحتها مباشرة.
إن المدى الدقيق لمشاركة الميكروبات غير معروف، لكن تم العثور على رابط بين بكتيريا الأمعاء والطريقة التي يعالج بها الأشخاص الأصحاء، عواطفهم. وقد نشرت كريستين تيليش، وإيميران ماير من جامعة كاليفورنيا، في لوس أنجليس، عام 2017، بحثهما في مجلة «جورنال أوف بيهيفيرال ميديسن»، المعنية بدراسات طب السلوك، حيث قامتا بتحديد ميكروبات الأمعاء التي تتفاعل مع مناطق المخ المرتبطة بالمزاج والسلوك. قد تكون تلك هي المرة الأولى التي يتم فيها تحديد الاختلافات السلوكية والبيولوجية المرتبطة بالتركيب الميكروبي في البشر الأصحاء، وذلك بفحص ميكروبات الأمعاء لدى 40 امرأة. ووجدتا أن المتطوعات يمكن تقسيمهن إلى مجموعتين؛ أولئك اللاتي لديهن كثير من البكتيريا من جنس بريفوتيلا Prevotella، واللاتي لديهن كثير من جنس بكتيرويدس Bacteroides. واستخدمت الباحثتان بعد ذلك فحوصات التصوير بالرنين المغناطيسي للنظر في النشاط في أجزاء معينة من أدمغة النساء أثناء مشاهدة الصور التي توضح التوتر العاطفي. وكان لدى كل مجموعة نشاط متميز للدماغ، وكان مختلفاً بما فيه الكفاية.
قد تلعب تفاعلات الدماغ والأمعاء دوراً مهماً في صحة وسلوك الإنسان، إذ تشير الأبحاث السابقة إلى أن الميكروبات يمكن أن تؤثر على السلوك والعاطفة. وأظهرت نماذج الفئران تأثير الكائنات الدقيقة الحية في الأمعاء على السلوكيات العاطفية والاجتماعية، مثل القلق والاكتئاب. ومع ذلك، هناك القليل من الأدلة على هذا في البشر.
كما وجدت تيليش وماير أنه بإمكانهما التأثير على الطريقة التي تعالج بها أدمغة الناس عواطفهم باستخدام البروبيوتيك probiotic فقد أعطوا 36 امرأة لبن زبادي صحياً يحتوي على 4 أنواع من البكتيريا مرتين يومياً لمدة 4 أسابيع. وكشفت فحوصات الدماغ أن ذلك يؤثر إيجاباً على النشاط والاتصال الجسدي في مراكز الانفعال في أدمغة النساء، ما تنتج عنه تغييرات مرتبطة بالمعالجة العاطفية الصحية.
– تناول الميكروبات
قد يساعد تناول الميكروبات الأشخاص المعرضين لخطر الاكتئاب والقلق. ويركز كثير من الدراسات على النساء الحوامل، لأن الاكتئاب الحاد يؤثر على نحو 15 في المائة من النساء أثناء الحمل وبعده، ويمكن أن يتداخل مع قدرتهن على الارتباط بأطفالهن. في الدراسة التي أجريت عام 2017، قامت كريستين تيليش وإيميران ماير بإعطاء أكثر من 200 امرأة بكتيريا «لاكتوباسيلس رامنوسس Lactobacillus rhamnosus» ابتداء من مرحلة الحمل المبكر إلى 6 أشهر بعد الولادة. وقد حصلت كل من تيليش وماير على نتائج أفضل من المجموعة الضابطة في اختبارات الاكتئاب والقلق.
وقد رحّب الخبراء بهذه النتيجة بشكل خاص، لأن كثيراً من النساء يترددن في تناول مضادات الاكتئاب أثناء الحمل أو أثناء الرضاعة الطبيعية. وبالمثل، أظهر طلاب الجامعات الأصحاء الذين تناولوا البروبيوتيك الجاهزة لمدة شهر تحسينات على كثير من مؤشرات القلق، بما في ذلك الذعر والقلق والمزاج السلبي. أما الطلاب الذين لديهم أعلى مستويات التوتر والذين تناولوا معظم البروبيوتيك فقد أظهروا التحسن الأكبر. وفي الوقت الحالي، ليس لدى العلماء سوى فكرة غامضة حول البكتيريا التي قد يكون لها تأثير جيد على الحالة المزاجية. وفي الواقع، إنهم لا يعرفون بالضبط أي الميكروبات الموجودة في أمعائنا، لأن كثيراً منها لا يمكن استزراعه. وقد تم التعرف على الآلاف من ميكروبات الأمعاء من خلال تحليل عينات لتسلسل صغير من المواد الوراثية تسمى i6S rRNA. إلا أن هذا التحليل يمكن أن يميز البكتيريا بشكل موثوق ومحدود. لكن هناك تقنية جديدة أحدثت ثورة في البحوث الميكروبية، أطلق عليها تسلسل «بندقية الجينوم الكامل» whole – genome shotgun sequencing يمكنها العثور على الأنواع الفرعية من خلال النظر إلى كل جين في عينة مأخوذة من أي بيئة.
وباستخدام هذه التقنية، كما يقول جيروين ريس وزملاؤه، في جامعة ليفان، في بلجيكا، مع سكوت أندرسن، وجون كراين، وتيد دينان، من «ثورة البسيكروبيوتيك» Psychobiotic Revolution المنشور في مجلة «ناشيونال جيوغرافيك»، فإن ابتلاع الميكروبات قد يساعد الأشخاص المعرضين لخطر الاكتئاب والقلق في الحصول على رؤية دقيقة للبكتيريا في أمعاء أكثر من 1000 شخص. ولاحقاً في أبريل (نيسان) 2019 قالوا إن الأشخاص الذين تم تشخيصهم بالاكتئاب قلّت لديهم البكتيريا من الجنسين «كوبروكوكس» Coprococcus و«ديالستر» Dialister. وكشفت الدراسة أن الأشخاص الذين يتمتعون بنوعية حياة أفضل، يميلون إلى امتلاك مزيد من البكتيريا التي تنتج الزبد (البيوتريت butyrate) وهو حامض دهني قصير السلسلة يغذي ويشفي القناة الهضمية، كما أنتجت بكتيريا الأمعاء أيضاً مزيداً من الدوبامين dopamine (ناقل كيميائي يساعد في نقل الإشارات العصبية في الدماغ وغيره من المناطق الحيوية).
وقد أمكن إجراء هذه الدراسة البشرية الواسعة النطاق، لأن بلجيكا تحتفظ بسجلات طبية إلكترونية شاملة متاحة للتحليل العلمي. كما أن لدى كثير من بلدان شمال أوروبا مجموعات بيانات متشابهة، ومن المرجح أن تكشف، باستخدام تحليل «بندقية الجينوم الكامل» هوية مزيد من العوامل البيولوجية الممكنة. ومع ذلك، قد نكون قادرين على فعل أكثر من مجرد العثور على «بكتيريا جيدة».
يشكّ دينان وكريان في أن البكتيريا المسببة للأمراض تشترك في جينات معينة، كما قد تكون هناك جينات مرتبطة بفوائد الصحة العقلية. إذن، فإن المضاد الحيوي الأسمى قد يكون كائناً معدلاً وراثياً يحتوي على جينات من عدة أنواع مختلفة من البكتيريا.
هذا للمستقبل! لكن هناك أشياء يمكننا القيام بها جميعاً الآن لتعزيز المؤثرات البيولوجية التي نمتلكها بالفعل. يقول كريان: «الطريقة الجديدة للنظر إلى صحة الدماغ تقلب الأمور رأساً على عقب»!

شارك هذا الخبر

شاهد أيضاً

الجوبي يصعق الجميع: ستشهد اليمن أعلى درجات حرارة خلال الايام القادمة لهذا السبب!

قال الفلكي اليمني احمد محسن الجوبي ان اليمن ستشهد ارتفاع كبير في درجات الحرارة خلال …